الاثنين، 26 مارس 2007

كونتن تارانتينو فعل بالسينما ما فعله تي إس إليوت بالشعر


عندما تشاهد فيلماً لكونتن تارانتينو، فستلاحظ أن الفيلم يحيلك باستمرار إلى عدة أفلام وشخصيات سينمائية أخرى، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وكلما كانت مشاهداتك السابقة أكثر، كلما كان ادراكك لهذه الإحالات أو الإشارات أكبر فمثلا في فيلم «كلاب المستودع» يذكرنا مشهد شخصيات الفيلم وهم يمشون معاً على امتداد الشارع في بداية الفيلم بفيلم الزمرة المتوحشة لسام بيكنباه. كما يحتوي الفيلم على استعارات واضحة من الفيلم الهونغ كونغي مدينة تحترق لرينغو لام مثل العلاقة بين المخبر المتخفي وأحد أفراد العصابة، وطريقة موت بعض الشخصيات، وبعض الحوارات المنقولة بالنص. بالإضافة إلى ذلك نجد في حوار الفيلم إشارات مباشرة لشخصيات سينمائية مثل الممثلة بام غرير والممثل لي مارفن. وفي فيلم بالب فيكشن» تكاد تكون شخصية أوما ثورمان منسوخة من الشخصية الرئيسية في فيلم «عيشُ حياتي» للفرنسي فرانسوا تروفو، في شكلها قصة الشعر، واللباس الأبيض والأسود، وفي طريقة تفكيرها حيث تطرح كل من الشخصيتين تساؤلا حول الحاجة إلى الكلام ولكن بطريقتين مختلفتين. وفي نفس الفيلم، المشهد الذي يرى فيه الممثل الأسود فينغ ريمز عند عبوره الشارع بروس ويليس وهو واقف عند إشارة المرور، يذكرنا بمشهد مماثل في تحفة هيتشكوك «سايكو» عندما يرى رئيس العمل موظفته عند الإشارة وهو يعبر الشارع.




وفي فيلم جاكي براون كُتب العنوان بنفس الخط المميز الذي كتب به عنوان فيلم بام غرير فوكسي بروان» الذي هو أيضاً مصدر الإسم جاكي براون. كما استخدم تارانتينو ثلاثة من أبرز الممثلين الذين ارتبطت أسماؤهم بالفئة السينمائية المندثرة التي يحاكيها هذا الفيلم، وهم بام غرير وروبرت فورستر وسيد هيغ. وفي هذا الفيلم أيضاً، يقول صامويل جاكسون، الذي يلعب دور تاجر سلاح، أن الذين يشترون منه أسلحة لا يشترون واحدا، بل إثنين، لأن كل واحد منهم يريد أن يصبح القاتل. وفي ذلك إشارة إلى فيلم «القاتل» لجون وو حيث كان القاتل يحمل سلاحين وليس واحدا. وفي فيلم تارانتينو الأخير أقتل بيل أبرز إشارة تواجهنا هي بدلة أوما ثورمان الصفراء المطابقة لتلك التي ظهر فيها بروس لي في فيلم «لعبة الموت». ومع أن أفلام تارانتينو مليئة بالنقل والاستعارة، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يملك هوية خاصة به كسينمائي، بل على العكس، يعتبر تارانتينو من أبرز المخرجين الشباب وأكثرهم تميزاً، ومن أقوى من أثر في السينما الحديثة، وهناك عدد من المخرجين الذين ظهروا بعده يصنفون كمتأثرين بمدرسة تارانتينو ومنهم دوغ ليمان وغاي ريتشي. لقد نجح تارانتينو في تحقيق قدر كبير من الأصالة على الرغم من إعتماده في استقاء أدواته على مخزون مشاهداته، وذلك يعود، من وجهة نظري، إلى ثلاثة أسباب: الأول، أن النقل والتقليد في أفلام تارانتينو أفرز نوعية جديدة لا مكررة من الأفلام، تماماً كما أن عصير الفواكه المشكلة لا يشبه طعمه أو شكله عصير أي واحدة من الفواكة التي تدخل في تحضيره. والثاني، أن هذه الاقتباسات ليست منقولة عشوائياً أو اعتباطياً، بل هي موظفة في كثير من الأحيان لخدمة غرض الفيلم، وهذا أسلوب معروف في الأدب، وربما يكون تارانتينو أو من استخدمه في السينما بهذه الكثافة، لذلك يمكننا أن نشبه أفلامه بقصائد تي إس إليوت الحائز جائزة نوبل للآداب وبالأخص قصيدة «الأرض الخراب» التي يحمل كل بيت منها إشارة إلى عمل أدبي مختلف . والثالث، أن تلك الاستعارات والإشارات تبقى متعلقة بشكل ومظهر الفيلم فقط، وليس لها أي سلطة على المضمون، هي فقط وسيلة لنقله، مجرد إطار لمادة أصلية بحته. يقول تارانتينو في أحد اللقاءات التلفزيونية: «أن أفلامي تبدو للوهلة الأولى منتمية لنوعية معينة من الأفلام»، ولكني أعبث بهذه النوعية، بمعنى أنه لا يسمح لنفسه بالاستطراد في التقليد، فعند نقطة ما لا بد أن يكسر الانقياد لمعطيات النوعية التقليدية، ويمارس ذاتيته. ومن الملاحظ أن تلك الاستعارات تجاوزت كونها طبيعة تلقائية وأصبح تارانتينو يتعمدها كجزء من أسلوبه الخاص. لذلك نشاهده يستعير حتى من أفلامه الخاصة. فمثلاً فيغا» كان الاسم الاخير لكل من شخصية مايكل ماديسن في كلاب المستودع وجون ترافولتا في «بالب فيكشن» والجدار الأحمر الذي في بداية فيلم كلاب المستودع» ظهر في فيلم بالب فيكشن» والبدلة السوداء التي لبستها أوما ثورمان في «بالب فيكشن» ظهرت في جاكي براون وهكذا. إن الإشارات في أفلام تارانتينو لا تقتصر على السينما بل تشمل الموسيقى والأغاني والتلفزيون والأدب. وتارانتينو عندما يحَمل أفلامه هذا الكم من الإشارات إلى أشياء نشأ على مشاهدتها أو قراءتها أو سماعها فإنه يحقق نوعا جديدا ومميزا من السينما الشخصية. سينما شخصية لا تكمن شخصيتها في واقعية القصة، فقصص تارانتينو بعيدة عن الواقع، بل تكمن في إطلاق المخرج العنان لعاطفته كمتلقي وكمعجب. بل كمهووس بإنتاجات غيره، وليس كفنان منتج وحسب. الأمر الذي يجعل من يشاهد أفلام تارانتينو لا يجد صعوبة في تصور محتويات مكتبته الشخصية السينمائية والموسيقية والأدبية. هذا النوع من الشخصية حاضر أيضاً عند مخرج آخر يصنف ضمن جيل الفيديو وهو كيفن سميث، حيث يظهر من خلال أفلامه هوسه بالقصص الرسومية واهتمامه برياضة الهوكي، ومن خلال حواراته يظهر تقديره لبعض الأعمال السينمائية. بسبب اختلاف ميولهم وخبراتهم وتفاوت مقدار ونوعية دراستهم السينمائية الأكاديمية، يبقى لكل واحد من أفراد «جيل الفيديو» تميزه وخصوصيته، ويظل في نفس الوقت بينهم تشابه وتقارب. فمن الملاحظات الظريفة أن أفلام أبناء جيل الفيديو من أنسب الأفلام للإقتناء على أشرطة فيديو وسائط العرض المنزلي عموماً. فأفلام تارانتينو وسميث وبول توماس أندرسون، مثلاً، من الأفلام التي تصلح للمشاهدة غير الكاملة. بمعنى أن المعجب بها قد يعيد مشاهدة أي جزء من أحدها دون أن يشعر أنه مضطر لإكماله. وكأن الفيلم صنع خصيصاً ليناسب العرض المنزلي على ذلك الجهاز الذي خرّج لنا جيلا مختلفا من المخرجين، ونوعية مختلفة من الأفلام.

بقلم الكاتب \ حسام الحلوة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق