الثلاثاء، 27 مارس 2007

كونتن تارانتينو المخرج المشاهد !

كونتن تارانتينو.. المخرج المشاهد الذي صنع أفلامه من ذاكرة الفيديو
الاستعارات والاقتباسات السينمائية حاضرة في أغلب نواحي أفلامه من حوارات وأفكار وأحداث وزوايا تصوير
كانت مشاهدة الأفلام بالنسبة لغالبية الناس في السبعينات وما قبلها مقتصرة على دور السينما والتلفزيون (الذي لا يكون عرض المواد فيه اختيارياً). وفي بداية الثمانينات، انتشرت تقنية الفيديو المنزلي، فامتد خط تواصل جديد بين السينما والمشاهد، الذي أصبح بإمكانه اقتناء أفلامه المفضلة والأفلام التي انتهى عرضها سينمائياً ومشاهدتها وتكرارها متى ما أراد. ولا ريب أن هذه النقلة في طبيعة المشاهدة السينمائية والعلاقة بين المشاهد والسينما أثرت على طبيعة الأفلام نفسها، وذلك بعدة أشكال. ويتمثل أحد الأشكال في ظهور نوعية معينة من المخرجين السينمائيين يطلق عليهم أحياناً «جيل الفيديو»، ويقصد بهم الجيل السينمائي الذي نشأ في ظل وجود تقنية العرض المنزلية، ويعتبر كونتن تارانتينو (صاحب افلام «كلاب المستودع»، «بالب فيكشن» و«اقتل بيل» ومحور هذا المقال من أبرز وأول الأسماء المصنفة ضمن هذا الجيل.
ولد كونتن تارانتينو عام 1963 لأم مغرمة بالتلفزيون والأفلام تبلغ من العمر 16 عاماً، سمته على اسم شخصية لعبها الممثل بيرت رينولد في مسلسل «دخان السلاح». وبما أن كونتن كان لصيقاً بوالدته طوال نشأته، فقد أصبح هو الآخر منذ صغره مدمناً على التلفزيون والسينما. وفي سن الثانية والعشرين، حصل على عمل في متجر كبير لأفلام الفيديو في كاليفورنيا. وكما هو متوقع من عاشق للأفلام يوضع في مكان كهذا، أمضى كونتن جل وقته في مشاهدة الأفلام (ومناقشتها مع صديقه روجر أفاري الذي التقاه في المتجر). وفي وسط هذه المتابعة المكثفة شعر كونتن برغبة في اقتحام المجال السينمائي العملي، فكانت الخطوة الأولى نحو ذلك من خلال كتابة أول سيناريو له بمساعدة صديق له كان يدرس السينما وسماه «عيد ميلاد أعز أصدقائي». ولكن هذا النص لم يكتمل ولم ير النور قط. بعد ذلك بسنة أتم تارانتينو أول نص سينمائي مكتمل له وسماه «رومانسية حقيقية» ثم كتب نص «قتلة بالفطرة». كان كونتن يكتب النصوص ثم يبيعها كلياً، فلا تكون له سلطة عليها بعد البيع ولا يكون له أي دور أثناء عملية التصوير، مما يفسر ظهور اسمه في بيانات فيلم «قتلة بالفطرة» ككاتب القصة فقط، بينما نسب السيناريو لأوليفر ستون وشركائه في الكتابة، حيث أجرى هؤلاء تعديلات عديدة على نص كونتن الأصلي.
وكان تارانتينو ينوي أن يستخدم ما يقبضه مقابل نصوصه في انتاج فيلمه الأول «كلاب المستودع» بإمكانيات متواضعة (كاميرا 16 مليمترا، مع أصدقائه كممثلين). ولكن ولحسن حظه (وحظنا) أنه التقى بصديقه المنتج لورانس بندر، وكان لورانس يعرف الممثل القدير هارفي كيتيل، فأطلع كونتن لورانس على نصه، ثم أخذه هذا الأخير الى هارفي كيتل، فأعجب كيتل بالسيناريو جدا، وقرر أن يدعمه. فساهم في رفع ميزانية الفيلم، وساعد كونتن في اختيار ممثلين أكفأ وأنسب، وأستخدم علاقاته ليعزز طاقم الانتاج بخبرات أكبر. وبقي السيناريو سيناريو تارانتينو، ووضع تارانتينو على كرسي المخرج لأول مرة. وأنتج الفيلم مستقلاً. في عام 1992 استطاع كونتن أن يعرض فيلمه في مهرجان «صندانس» للأفلام المستقلة، ثم في عدة مهرجانات عالمية. ونتيجة للأعجاب الذي حظي به الفيلم اشترت شركة «ميراماكس» حقوق الفيلم ووزعته بشكل أوسع في أميركا وخارجها. عند هذه النقطة، تأمل أحد النقاد بحالة كونتن تارانتينو، وبفيلمه الذي أثار ضجة نسبية، فلاحظ أمراً هاماً وهو أن كونتن لم يدرس الإخراج ولم يمارسه من قبل (سبق أن أخذ دورة في التمثيل فقط)، ولم ينخرط في العمل السينمائي قبل أن يمارس الاخراج بنفسه، حتى النصوص التي كتبها لم يكن يتابع تصويرها بنفسه. فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين لتارانتينو هذا التمكن في الكتابة والإخراج ومن أين له هذه اللمسة الاحترافية؟
الإجابة عن هذا السؤال هي ذاتها تعريف مصطلح «جيل الفيديو». عندما بدأ تارانتينو بالعمل على فيلمه الأول، كان قد تشرب الصنعة السينمائية ببعديها الكتابي والإخراجي من خلال المشاهدة المفرطة للإفلام، وخاصة عن طريق الفيديو، هذه التقنية التي تتيح، بسهولة لا تتوفر في السينما، مشاهدة الأفلام القديمة والجديدة مراراً وتكرارً، والتنقل داخل الفيلم، وتكرار مقاطع معينة، والعرض بالحركة البطيئة، وتجميد الإطارات وما إلى ذلك من الأمور التي تجعل الفيديو وسيلة مثالية لدراسة الأعمال السينمائية وتحليلها وتشريحها. وكون تارانتينو (وأمثاله) قد اكتسبوا معرفتهم بالسينما بهذه الطريقة (فقط) يعني أن هذه المعرفة تتكون في غالبها من نماذج فعلية تطبيقية، لا من نظريات أو مبادئ سينمائية مجردة. وكنتيجة لذلك، تكون أفلامهم متأثرة تأثراً واضحاً بأفلام سبقتها. فنجد الاستعارات والاقتباسات السينمائية حاضرة في أغلب نواحي الفيلم من حوارات وأفكار وأحداث وزوايا تصوير، بل وفي الجو العام للفيلم. فمن الملاحظ أن كل فيلم من أفلام تارانتينو يصطبغ بطابع تقليدي معين من حيث الشكل، ففيلمه الأول كان على غرار أفلام السطو «هايست» ومن أبرز الأفلام التي شبه بها فيلم «القتل» لستانلي كوبريك. وفيلمه الثاني «بالب فيكشن» كان، بشكل متلاعب فيه، يجمع بين أفلام العصابات والأفلام السوداء (فيلم نوار). أما فيلمه الثالث «جاكي براون» فكان على غرار أفلام الستينات والسبعينات الرخيصة (اكسبلويتيشن) التي كانت تعتمد على الأكشن والنساء والموسيقى السريعة. وآخر أفلامه «اقتل بيل» كان على غرار أفلام الحركة المصنوعة في هونغ كونغ، وأفلام الصور المتحركة اليابانية.
بقلم الكاتب \ حسام الحلوة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق